الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة في فيلمي«جولياتا» لبيدرو ألمودوفار و«الفتاة المجهولة» للأخوين داردان: فخ اللعبة السينمائية والتباهي بنواميسها

نشر في  19 ماي 2016  (10:14)

من مراسلنا في مهرجان كان السينمائي: الناقد الطاهر الشيخاوي

مع الأسف لم نُسجل تحسّنا في برمجة الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي كما كنا نتمنّى بل انتابنا شعور بالخيبة منذ البارحة إثر خروجنا من «جولياتا» لبيدرو ألمودوفار، وتفاقم صباح اليوم بعد مشاهدة «الفتاة المجهولة» للأخوين داردان. كنا ننتظر عملا في مستوى ما عوّدنا عليه المخرجان البلجيكيان.

الحقيقة أن انتظاراتنا لم تتبدد من اللحظة الأولى، ولكن بعد نصف ساعة من بداية العرض تأكدنا من الأمر: بات الفيلم يدور في حلقة جوفاء لا يتغذى فيها إلا بما تنتجه آليات الكتابة، تماما (المسألة جديرة بالدراسة) كما جاء في «جولياتا» : شخصيات تتحرك حسب ماكينة محكمة تدلّ في الحالتين على حنكة كبيرة ولقطات ومشاهد تتوالى طبق منظومة عهدناها لدى هذا وذاك.

بالنسبة لألمودوفار ومنذ ما جاء في جينيريك البداية من لعب على الألوان (وضع النقاط الصفراء على الأحرف الحمراء) فهِمنا أنه لا مَخرجَ لنا من ألعوبةٍ عهدناها: في الحكاية هناك طبعا كل أسرار (وما هي بأسرار) طبخة ألمودوفار.

صِدامٌ باروكي للألوان المشعة أساسها الأحمر وما يوحي به من اشتعال للحواس والتهاب للمشاعر وتوالٍ لأحداث غايتُـها الإسراع في دوران سيناريو لا يخلو طبعا من تجانس ولكن غايته الوحيدة استمرارُ العملية.

تستعد جولياتا لمغادرة مدريد لمرافقة قرينها الذي لم يُخف سعادتَه بالأمر. بمجرد أن تضع رجليها في الشارع تلتقي في صدفة غريبة بأقرب صديقة لابنتها أنتيا التي غابت عن انظارها منذ 13 سنة فيتغيرُ منحى الأحداث رأسا على عقب. تَعدل جولياتا عن السفر وتقرر البقاء، فترجع بنا إلى الماضي من خلال تحرير رسالة لابنتها التي كانت تعتقد أنها خرجت تماما من حياتها.

وتبدأ القصّة: لقاؤها مع زوجها، فإنجاب البنت، فسعادة العائلة إلى حدوث ما لا يحمد عقباه وسلسلة من الأحداث الدرامية التي تتناغم أصداؤها حسب قانون ألمودوفاري لا أهمية له سوى أنه ألمودوفاري. الأمر معتاد وفي الحقيقة غير مفاجئ بالنسبة إلى المخرج الإسباني ولكنه مؤسف لدى الأخوين داردان بالنظر إلى ما عهدناه لديهم من جدية.

جيني طبيبة شابة وناجحة مهنيا متأكدة من نفسها لا تؤمن بالمشاعر في ممارسة شغلها (كما هو الشأن لدى جوليان معينها الطالب) تكتشف فجأة عمق المسألة الإنسانية وأهمية البعد الأخلاقي. يدق جرس العيادة لكنها تمتنعُ عن فتح الباب بالرغم من إلحاح جوليان ولكنها تكتشف من الغد أن نتيجة امتناعها كان موت فتاة في مقتبل العمر.

من الناحية القانونية لم ترتكب جيني أي خطإ لأن الفتاة قدمت ساعة بعد انتهاء الوقت القانوني ولكن شعورا بالذنب قويّا غمرها فاهتزّ كيانُها اهتزازا وانهار اعتزازُها بنفسها فانطلقت تبحث عن هوية الضحية لتبني لها قبرا بها يليق، معرّضة حياتها لأخطار جمّة.

إلى هنا ينحى الشريط منحى جديرا بالإهتمام خاصة أن الضحية سوداء البشرة افريقية الأصول ويمكن أن تفتح باب الغيرية، ولكن العمل يتحول إلى شيء أقرب الى الفيلم البوليسي منه إلى الدراما الإجتماعية.

إنه من الحيف التقليل من قيمة العمل ولكنه انغلق في عملية تكاد تكون إعادة الشي لذاته، فيدور الفيلم في حلقة تحمل ألوانا نعرفها بعيدا عما كنا نننظره من استكشاف للمجهول ويسقط الأخوان دردان في فخ الدراما البوليسية التي تفقد الأبعاد المسطرة لها في البداية.